معايير تشخيص اضطراب الفصام (Schizophrenia) ومؤشراته
- Nov. 8, 2025
- 2
- #Mental_health
أقدّم للقراء في هذا المقال الموحز مراجعة نقدية سريعة للمعايير التشخيصية لاضطراب الفصام (Schizophrenia)، مع إبراز الفروق الدقيقة بين أحدث النظم التصنيفية العالمية، ولا سيما DSM-5-TR وICD-11. ويركّز المقال على الأبعاد التشخيصية والمظاهر السريرية عبر مراحل النمو المختلفة، ويتطرّق إلى بعض التفسيرات العصبية-البيولوجية،
إضافةً إلى إجراءات التقييم الشامل، بما في ذلك أدوات التقييم النفسي-العصبي وفحوصات التشخيص التفريقي، ويُختتم بطرح توصيات قائمة على الأدلة بشأن التدخلات العلاجية المبكرة.
يُعرَّف الفصام بأنه اضطراب نفسي شديد التعقيد يُصنَّف ضمن الاضطرابات النمائية-العصبية نظرًا لتأثيره في ترابط الشبكات الدماغية وما ينتج عنه من خلل في الوظائف المعرفية والإدراك الحسي والعمليات العاطفية والسلوكية (Owen et al., 2016).
ويُعدّ التدخل المبكر، خاصة خلال المرحلة البادرية (Prodromal Phase)، حجر الزاوية في تحسين المآلات الوظيفية للمرضى (Correll et al., 2018)، فيما يعتمد التشخيص على التقييم السريري الدقيق وتحديد الأعراض وفق إطار زمني محدد (American Psychiatric Association, 2022).
وتتبنى أحدث توجهات DSM-5-TR منظورًا طيفيًا لاضطراب الفصام، متجاوزةً التصنيفات الفرعية السابقة. ويتطلّب التشخيص وجود عرضين أو أكثر لمدة شهر واحد على الأقل، على أن يتضمّن أحد الأعراض الإيجابية التالية: الأوهام، أو الهلوسات، أو الكلام المتفكك.
ويُقيَّم العرض سريريًا من خلال نموذج بُعدي يسمح برصد اختلاف الأنماط الإكلينيكية بين الأفراد (American Psychiatric Association, 2022). وفي المقابل، أدخلت ICD-11 تعديلات مهمة تركز على تقدير شدة الأعراض الذهانية وتأثيرها على الأداء الوظيفي العام، ما يجعلها أكثر شمولًا وملاءمة للتطبيق السريري (World Health Organization, 2019).
كما تشير الأدلة العصبية-البيولوجية إلى أن الفصام نتاج تفاعل معقّد بين الاستعداد الوراثي والعوامل البيئية (Owen et al., 2016). وتعدّ فرضية الدوبامين من أبرز النماذج التفسيرية؛ إذ تُظهر وجود فرط نشاط للدوبامين في المسار الميزوليمبي ونقص في نشاطه بالمسار الميزوكورتيكالي (Howes & Kapur, 2009).
كما تقترح فرضية الغلوتامات وجود خلل في النقل العصبي، خاصة على مستوى مستقبلات NMDA، ما يُفسِّر جزءًا من الاضطراب الوظيفي في القشرة الجبهية الأمامية (Coyle, 2012).
ويُعدّ الفصام الطفولي حالة نادرة تتطلب تفريقًا تشخيصيًا دقيقًا عن اضطرابات النمو الأخرى. وغالبًا ما تسبقه مؤشرات تشمل عجزًا حركيًا واضطرابات في المعالجة السمعية وتأخرًا نمائيًا عامًا (Rapoport et al., 2009). أمّا الأفراد ذوو الخطورة السريرية المرتفعة (UHR) فيُحدَّدون عبر أدوات تقييم معيارية، أبرزها SIPS وCAARMS، مع ملاحظة أعراض ذهانية مخفَّفة (Cannon et al., 2008). وفي حالات البدء المتأخر بعد سن الأربعين، يجب الاشتباه بالأسباب العضوية مثل الأمراض المناعية أو التنكسية العصبية (Reeves et al., 2020).
ويتطلّب التقييم الشامل للفصام أخذ التاريخ المرضي والفحص العقلي، إضافةً إلى استخدام مقاييس قياس شدة الأعراض مثل مقياس PANSS (Leucht et al., 2017). كما تُستخدم أدوات لتقييم الأداء الوظيفي والاجتماعي بما في ذلك SOFAS، في حين تُعدّ مصفوفة MATRICS معيارًا مهمًا لتقييم العجز المعرفي، الذي يرتبط بقوة بالمآلات الوظيفية (Nuechterlein et al., 2008). وتشمل الفحوصات العصبية-المخبرية احتمالية إجراء تصوير MRI في حالات الذهان غير النمطي، إلى جانب تحاليل الأجسام المضادة المرتبطة بالذهان المناعي (Pollak et al., 2014).
وتدعم الأدلة الاستفادة من التدخل المبكر المنسق (CSC) كنهج علاجي فعّال في تحسين مآلات المرض (Kahn et al., 2015). وتُعدّ مضادات الذهان من الجيل الثاني الخيار الأول، مع مراعاة استخدام أقل جرعة فعّالة (Leucht et al., 2017). كما تكمّل التدخلات النفسية-الاجتماعية النهج العلاجي ومن ضمنها العلاج المعرفي-السلوكي للذهان والتدريب المعرفي والتدخل الأسري للحد من مستوى العاطفة المُعبَّر عنها (Kopelowicz et al., 2021).
وفي الختام، يبقى الفصام اضطرابًا سريريًا معقدًا يتطلّب تقييمًا دقيقًا وفهمًا للآليات العصبية-البيولوجية والاختلافات السريرية المشتركة بين الأفراد وعبر مراحل العمر. وتؤكد التوجهات الحديثة في DSM-5-TR وICD-11 على أهمية الجمع بين التقييم البعدي واستبعاد الأسباب العضوية واعتماد نموذج الرعاية الشامل المبني على التدخل المبكر المنسق لتعظيم فرص التحسن الوظيفي وتعزيز الاندماج الاجتماعي.
References
- American Psychiatric Association. (2022). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed., text rev.).
- Cannon, T. D., Cornblatt, B., & Woods, S. W. (2008). The identification of subjects at risk for psychosis: Applications for early intervention and prevention. Biological Psychiatry, 64(5), 406–414.
- Correll, C. U., Galling, B., Pawar, A., Krivoy, A., Tipp, J., Rosengarten, H., … Kane, J. M. (2018). Efficacy and acceptability of pharmacological and psychological interventions in patients at clinical high risk for psychosis: A meta-analysis. JAMA Psychiatry, 75(7), 715–724.
- Coyle, J. T. (2012). Glutamate and schizophrenia: Beyond the dopamine hypothesis. Cellular and Molecular Neurobiology, 32(3), 517–526.
- Howes, O. D., & Kapur, S. (2009). The dopamine hypothesis of schizophrenia: Version III—The final common pathway. Schizophrenia Bulletin, 35(3), 549–562.
- Kahn, R. S., Keefe, R. S. E., & EUFEST Study Group. (2015). Schizophrenia: Treatment outcomes, symptom dimensions, and the next generation of antipsychotic treatments. Biological Psychiatry, 77(3), 226–234.
- Kopelowicz, A., Zarate, R., & Liberman, R. P. (2021). Integrating cognitive-behavioral therapy and family psychoeducation for patients with schizophrenia. Psychiatric Services, 72(11), 1279–1281.
- Leucht, S., Leucht, C., Hug, K., Ric-Vila, S., & Engberg, P. (2017). The PANSS in randomized controlled trials of antipsychotic drugs: A systematic review and meta-analysis. Schizophrenia Bulletin, 43(4), 849–859.
- Nuechterlein, K. H., Green, M. F., & Cadenhead, K. S. (2008). The MATRICS consensus cognitive battery: Part 1—Test selection, reliability, and validity. American Journal of Psychiatry, 165(5), 651–658.
- Owen, M. J., Sawa, A., & Mortensen, P. B. (2016). Schizophrenia. The Lancet, 388(10039), 86–97.
- Pollak, L., Gonen, T., & Glik, A. (2014). Autoimmune psychosis: An update. Journal of Autoimmune Disorders, 2(1), 1–5.
- Rapoport, J. L., Giedd, J. N., Gogtay, N., & Fienberg, H. (2009). Childhood-onset schizophrenia: Clinical and brain imaging findings. Biological Psychiatry, 65(10), 875–881.
- Reeves, L. G., Harvey, P. D., & Zisook, S. (2020). Late-onset schizophrenia: A review. Current Psychiatry Reports, 22(10), 65.
- World Health Organization. (2019). International statistical classification of diseases and related health problems (11th ed.)